نحو فهم حقوق الملكية الفكرية
ما هي الملكية الفكرية؟ هي أحد الأبعاد الأكثر إرباكًا في بعض الأحيان، ولعلّها من المصطلحات الأكثر استخدامًا في مجال القانون. وتبدو أنّها كلّ شيء، بدءًا من العلامات التجارية الموجودة على حزم الوجبات الخفيفة المفضّلة لدينا، وصولًا إلى إشعار حقوق الطبع والنشر في بداية كل كتاب، أو دراسة وما إلى ذلك. ومن الصعب تشغيل تلفاز، أو حاسوب، أو قراءة كتاب، أو شراء قطعة من الأجهزة أو البرمجيات، أو حتّى مشاهدة فيلم دون ملاحظة بعض التذكيرات بأنّ محتويات الصندوق أو الملف أو البرنامج المعني تعدّ مملوكة لشخصٍ آخر أو جهة ما، وأنك ستكون في ورطة إذا قمت بنسخ أو توزيع أو إساءة استخدام المنتج.
ويرى كثيرون أنّ مفهوم الملكية الفكرية يعدّ ضروريًا لنموّ الشركات والثقافات وحتّى الأمم. وما النشر الفكري، وشركات التسجيل، والألعاب، والمستحضرات الطبية، والسلع الإلكترونية، والملابس وغيرها، سوى عدد قليل من الصناعات التي تعتمد نماذج أعمالها التجارية بشكلٍ مباشر على قدرتها على منع المنافسين من نسخ محتواها، أو تقليد علاماتها التجارية أو سرقة أسرارها (Sinnreich, 2019). وبدون الحماية التي توفّرها قوانين الملكية الفكرية، قد لا تبتكر هذه الشركات أو تنتج بنفس القدر، وقد لا تجني ما يكفي من المال لتحقيق الربح. فما هي الملكية الفكرية؟ هل هي قيدٌ قانوني يسمح للأفراد والشركات بحق المطالبة في ملكية إبداع عقلي؟ أم أنّها مجموعة من التصنيفات التي تسمح للمجتمع بالارتقاء، وتمنح الفنانين والمخترعين الثقة لتقديم أفكارهم إلى العالم، ومنح الشركات والمستثمرين الأمان المالي لتمويل تلك الأفكار؟
تعتبر الملكية الفكرية مزيجًا معقدًا من القوانين والمعاهدات والسياسات والعقود وقرارات المحاكم المختلفة تبعًا للبلد خصوصًا في عالمنا العربي. ويعدّ غياب فهم هذا المصطلح مشكلةً حاسمة في مجال الملكية الفكرية. وفي منطقتنا، يكمن التحدي الأكبر في غياب وعي المواطن العربي بأهمية الملكية الفكرية، لا سيما وأنّ النقاشات حول قضايا الملكية الفكرية تعدّ محدودة وغير كافية. وبحسب مراجعاتنا الأدبية في منظمة المجتمع العلمي العربي وجدنا أنّه لا أحد تقريبًا - سواء كان مشرّعًا أو قاضيًا أو محاميًا أو أستاذًا وغيرهم– قادرٌ تمامًا على إدراك نطاق وتأثيرات الملكية الفكرية، ومع ذلك لانزال نواصل سن القوانين الجديدة والتصديق على معاهدات لا تؤدي إلّا لزيادة التعقيد، وتوسيع فجوة الوعي حيال هذا المفهوم.